الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: «كـنّـا نشريــو الهنـدي بالزّمبيـل والطزّينة، ولّينا نشريوه بالحارة»!

نشر في  13 سبتمبر 2017  (12:08)

لنترك السياسة والأحزاب جانبا، ولنترك يوسف الشاهد يعمل لإنقاذ تونس من الافلاس والمديونيّة والاضطرابات الاجتماعيّة المكبّلة ومن العقلية الجديدة السائدة والمكرّسة للكسل والخمول والمطالبة بالزيادات المشطّة، ولنتساءل اليوم، ممّ يعاني الشعب التونسي؟
في السوق الأسبوعيّة التي أزورها كلّ يوم أحد استمعت لآكل «غلة الهندي» يقول: «كنا نشتري الهندي بالزمبيل ثم اشتريناه بالطزينة (12) ثم ها انّنا نشتريه اليوم بالحارة (4)وربي يستر في المستقبل».. وبهذه الجملة لخّص صاحبنا تدهور القدرة الشرائيّة للتونسي.. وفي هذا لسياق بالذات، نلاحظ انّ سعر الدلاع ارتفع من 300 مليم للكيلوغرام في السّنة الفارطة الى 600 مليم في هذه السنة حتى اضطرّ «الزوالي»  وغيره الى الاكتفاء بقطعة أو جزء من «الدلاعة» عوضا عن «كعبة»، وما الحلّ بعد ان أصبح المعلم والأستاذ والتقني من صنف الفقراء في هذه البلاد؟

 ورغم معاناة «الغلابة» لم تحرك الحكومة ساكنا لحماية القدرة الشرائية للمواطن حتى وان وقع اقرار بعض الزيادات في الأجور،  فهي لم تتدخّل بحزم للضّغط على الأسعار من خلال مراقبة مسالك التوزيع والمخازن والمساحات الكبرى وكلّها تكدس ثروات طائلة من عرق المسحوقين بينما لا تتحرّك وزارة التجارة الاّ نادرا وباحتشام شديد تاركة «كبار القوم» يتمعّشون من تجاهل الحكومة لدورها في الضغط خاصّة على أسعار المواد الغذائيّة..
من جهة أخرى ارتفع سعر قهوة «نسكافي» من 6 دنانير الى عشرة في أقل من خمس سنوات في حين ارتفع سعر التنّ في العلب لاحدى الماركات من 2500 الى 3500 خلال  المدة نفسها مع التذكير بأنّه لولا صندوق الدعم للعجين والزيت والحليب والسكر لأصبح عدد هام من التونسيين يأكلون «الخبيزة» وغيرها من الأعشاب الطفيلية.. ولولا وجود الملابس المستعملة في الأسواق، لصار عدد هام من الشعب التونسي لا يغيّرون ملابسهم لمدّة سنوات عديدة.. ثم مع كل هذا ارتفع سعر الوقود والكهرباء والماء والتبغ والأداءات والضرائب حتى أضحت الطبقات الوسطى تعد من ضمن الفقراء المقنّعين   بكلمة «لاباس»..

من جهة أخرى هناك ضغط كبار التجار ومن يحكمون قبضتهم على مسالك التوزيع المافيوزية، كما هناك ضغط جبائي مدمّر من أجل توفير ميزانية بـ34.000 مليار من مليماتنا للدولة (وهنا تجدر الإشارة الى انّ الميزانية لم تتجاوز 19.000 مليار سنة 2010)..  والأخطر من هذا انّ كل المسؤولين يتحدثون عن قرارات «مؤلمة» ستتخذها الحكومة دون توضيح ما اذا كانت هذه القرارات تعني مزيد تدمير القدرة الشرائيّة للمواطن البسيط وتفقيره من خلال التخلّي عن الشركات الوطنية الكبرى لفائدة القطاع الخاصّ والزيادة في الجباية.. انّ القرارات «المؤلمة» التي تتحدّث عنها الحكومة لن تمسّ من القدرة الشرائيّة لأعضاء الحكومة أو أثرياء البلاد أو المافيوزيين الذين يتحكّمون في الحدود ولا أيضا من المقدرة الشرائيّة لكبار لاعبي كرة القدم أو مشاهير الفن والمزود!

وإنّي أعيب على الحكومة وعلى اتحاد الشغل (الذي لم يضغط عليها بصرامة) عدم التفكير في فرض العدالة الجبائيّة وعدم التجريم الجدّي للتهرّب الجبائي الذي يقدّر بـ10.000 نعم10.000  مليار، ذلك ان اصحاب المهن الحرّة (المحامون، المهندسون، الأطباء، أصحاب المقاهي وباعة المرطّبات والسندويتشات في الأحياء الراقية، الباعثون العقاريون، كبار المهرّبين، كبار الرياضيين، كبار الفنانين، الفضاءات الترفيهيّة، مالكو العلب اللّيلية، كبار موزّعي الخمر والكحول خلسة، عدد من رجال الأعمال الى غيرهم) لا يصرّحون بحقيقة أرقام معاملاتهم التجارية أو مداخيلهم وأرباحهم..
انّه دون عدالة جبائيّة ودون ترشيد المصاريف الحكومية ودون وضع حدّ لنزيف الجرايات الممنوحة على غير وجه حقّ مثل عدد هامّ من العاملين في مجال البيئة، ودون ترشيد مصاريف كبرى الشركات الوطنية ومن بينها الخطوط الجوية التونسية التي انتدبت أكثر من 1100  متحزّب زمن الترويكا رغم أنّها على وشك الافلاس، لن يقبل اصحاب بعض المهن الحرة العدالة الجبائية، فامّا ان يساهم هؤلاء في التخفيف من محن تونس والاّ مرّت بلادنا بأزمات لا يتصورها أحد حتى يأتي من ينقذها.. مهما يكن من أمر، نحن في انتظار قانون المالية لسنة 2018  وإنّنا نطالب الحكومة بعدم مزيد تفقير الطبقات الوسطى، ذلك أنّ أغلب الثورات عبر تاريخ تونس انطلقت من تعميق بؤس الفقراء من خلال جبايات وأتاوات لا تطاق.
فحذار!